كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



زَادَ النِّهَايَةُ وَيَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عُرِفَ حَالُهُ فِي الْوَضْعِ فَإِنْ جُهِلَ تُرِكَ حَمْلًا عَلَى وَضْعِهِ بِحَقٍّ كَمَا فِي الْكَنَائِسِ الَّتِي نُقِرُّ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَيْهَا فِي بَلَدِنَا وَجَهِلْنَا حَالَهَا وَكَمَا فِي الْبِنَاءِ الْمَوْجُودِ عَلَى حَافَّةِ الْأَنْهَارِ وَالشَّوَارِعِ. اهـ. وَيَنْدَفِعُ بِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي حَتَّى قُبَّةِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ بِالْأَوْلَى) الْأَوْلَى لِيَظْهَرَ الْإِضْرَابُ الْآتِي إسْقَاطُهُ.
(قَوْلُهُ وَيُرَدُّ بِأَنَّ تَعْرِيفَهَا يَدْخُلُ مَوَاتًا إلَخْ) هَلْ يَجُوزُ إحْيَاءُ مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا الْمَوَاتِ دَارًا أَوْ غَيْرَهَا وَيَمْلِكُ الْمُحَيِّي ذَلِكَ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَحُرْمَةِ الْبِنَاءِ لِلْقَبْرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّمَلُّكِ وَيُؤَدِّي إلَى التَّحْجِيرِ أَوَّلًا وَيَكُونُ اعْتِيَادُ الدَّفْنِ فِيهِ مَانِعًا مِنْ الْإِحْيَاءِ فِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ إطْلَاقُهُمْ صِحَّةَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ سم وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الْأَسْنَى وَالنِّهَايَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرُبُ إلْحَاقُ الْمَوَاتِ بِالْمُسْبَلَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا مَصْلَحَةٌ وَلَا غَرَضٌ شَرْعِيٌّ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ. اهـ. وَيَأْتِي آنِفًا عَنْ الْإِيعَابِ مَا قَدْ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ.
وَلَكِنْ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَلَا يَجُوزُ زَرْعُ شَيْءٍ إلَخْ صَرِيحٌ فِي الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ يَدْخُلُ مَوَاتًا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ وَكَذَا يَدْخُلُ مَوْقُوفَةً لِلدَّفْنِ اعْتَادُوا الدَّفْنَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ الْمُقْتَضِي لِلْمُبَايَنَةِ بَيْنَهُمَا.
(قَوْلُهُ وُجُوبًا) إلَى قَوْلِهِ مَعَ أَنَّ الْبِنَاءَ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي.
(قَوْلُهُ وَقَدْ أَفْتَى جَمْعٌ إلَخْ) الْأَوْجَهُ خِلَافُ هَذَا الْإِفْتَاءِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّعَدِّي فِي بِنَاءٍ بِعَيْنِهِ وَإِلَّا فَمَا مِنْ بِنَاءٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَمْرُهُ إلَّا وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْوَضْعِ بِحَقٍّ فَلْيُتَأَمَّلْ سم وَتَقَدَّمَ عَنْ النِّهَايَةِ مَا يُوَافِقُهُ.
(قَوْلُهُ حَتَّى قُبَّةِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَخْ) هَذَا الْإِفْتَاءُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ قُبَّةَ إمَامِنَا كَانَتْ قَبْلَ الْوَقْفِ دَارَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ع ش.
(قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ) هَلْ الْمَوَاتُ كَالْمَمْلُوكَةِ فِي ذَلِكَ سم.
أَقُولُ قَدْ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْإِيعَابِ مَا نَصُّهُ وَيَجُوزُ زَرْعُ تِلْكَ الْأَرْضِ أَيْ الَّتِي تَيَقَّنَ بَلَاءُ مَنْ بِهَا وَبِنَاؤُهَا وَسَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ ذُكِرَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي فَرْضُهُ فِي مَقْبَرَةٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ مَوَاتٍ لَا مُسَبَّلَةٍ لِحُرْمَةِ نَحْو الْبِنَاءِ فِيهَا مُطْلَقًا. اهـ. لَكِنْ صَنِيعُ الشَّارِحِ هُنَا مَعَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ تَعْرِيفَهَا يُدْخِلُ مَوَاتًا إلَخْ كَالصَّرِيحِ فِي خِلَافِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْإِيعَابِ عَلَى مَا إذَا تَرَكَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِي ذَلِكَ الْمَوَاتِ حَالًا مَعَ عَزْمِهِمْ عَلَى تَرْكِهِ اسْتِقْبَالًا أَيْضًا وَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِهِ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ) مَا لَمْ يَنْزِلْ مَطَرٌ يَكْفِي لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ وَحِفْظًا لِلتُّرَابِ وَتَفَاؤُلًا بِتَبْرِيدِ الْمَضْجَعِ وَمِنْ ثَمَّ نُدِبَ كَوْنُ الْمَاءِ طَهُورًا وَبَارِدًا وَيُكْرَهُ بِالنَّجِسِ أَوْ يَحْرُمُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيُكْرَهُ طَلْيُهُ بِخَلُوقٍ وَرَشُّهُ بِمَاءِ وَرْدٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَبْعُدْ وَيُرَدُّ بِأَنَّ فِيهِ غَرَضَ طِيبِهِ وَحُسْنِ رِيحِهِ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِيَسِيرِهِ حُضُورَ الْمَلَائِكَةِ لِكَوْنِهَا تُحِبُّ الرِّيحَ الطَّيِّبَ لَمْ يُكْرَهْ (وَ) أَنْ (يُوضَعَ عَلَيْهِ حَصًى) صِغَارٌ (وَ) أَنْ (يُوضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ) وَلَوْ أُنْثَى (حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ فِي الْأَوَّلِ الشَّافِعِيُّ فِي قَبْرِ إبْرَاهِيمَ وَالثَّانِي أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ جَيِّدٍ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَفِيهِ التَّعْبِيرُ بِصَخْرَةٍ وَقَضِيَّتُهُ نَدْبُ عِظَمِ الْحَجَرِ وَمِثْلُهُ نَحْوُهُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ مَعْرِفَةُ قَبْرِ الْمَيِّتِ عَلَى الدَّوَامِ وَلَا يَثْبُتُ كَذَلِكَ إلَّا الْعَظِيمُ قِيلَ وَتُوضَعُ أُخْرَى عِنْدَ رِجْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الِاتِّبَاعِ (وَ) يُنْدَبُ (جَمْعُ الْأَقَارِبِ) وَنَحْوِهِمْ كَالزَّوْجَةِ وَالْمَمَالِيكِ وَالْعُتَقَاءِ بَلْ وَالْأَصْدِقَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ فِي مَوْضِعٍ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الزَّائِرِ وَأَرْوَحُ لِأَرْوَاحِهِمْ وَيُرَتَّبُونَ كَتَرْتِيبِهِمْ السَّابِقِ فِي الْقَبْرِ فِيمَا يَظْهَرُ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ أَوْ يَحْرُمُ) اعْتَمَدَهُ م ر.
(قَوْلُهُ وَيُرَدُّ) اعْتَمَدَهُ م ر قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ) أَيْ بَعْدَ الدَّفْنِ وَشَمِلَ ذَلِكَ الْأَطْفَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ ع ش.
(قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ مَطَرٌ إلَخْ) أَقَرَّهُ ع ش.
(قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ) أَيْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَعَلَهُ بِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ» مُغْنِي وَنِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِلْأَمْرِ بِهِ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّهُ غَيْرُ الِاتِّبَاعِ وَقَضِيَّةُ اقْتِصَارِ غَيْرِهِ عَلَى الِاتِّبَاعِ خِلَافُهُ.
(قَوْلُهُ وَحِفْظًا) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَى الْمَتْنِ وَمَا أُنَبِّهُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ بِتَبْرِيدِ الْمَضْجَعِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ مَوْضِعُ الضُّجُوعِ وَالْجَمْعُ مَضَاجِعُ مِصْبَاحٌ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ التَّفَاؤُلِ.
(قَوْلُهُ طَهُورًا إلَخْ) أَيْ وَلَوْ مَالِحًا ع ش عِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ أَيْ لَا مُسْتَعْمَلًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ بِالنَّجِسِ) اعْتَمَدَهُ الْإِيعَابُ وَالْمُغْنِي و(قَوْلُهُ أَنْ يَحْرُمَ) اعْتَمَدَهُ النِّهَايَةُ.
(قَوْلُهُ قَالَهُ إلَخْ) أَيْ قَوْلُهُ نُدِبَ إلَى هُنَا قَالَ ع ش وَسَكَتَ عَنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ طَهُورًا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ طَلْيُهُ بِخَلُوقٍ وَرَشُّهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي قَالَ ع ش وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مِثْلُ الرَّشِّ عَلَى غَيْرِ الْقَبْرِ مِمَّا قُصِدَ بِهِ إكْرَامُ صَاحِبِ الْقَبْرِ كَالرَّشِّ عَلَى أَضْرِحَةِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ إكْرَامًا لَهُمْ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَبْرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَرُدُّ) أَيْ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ.
(قَوْلُهُ بِيَسِيرِهِ) أَيْ مَاءُ الْوَرْدِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي أَيْ وَمِثْلُهُ الْخَلُوقُ.
(قَوْلُهُ لَمْ يُكْرَهْ) بَلْ لَوْ قِيلَ بِسَنِّهِ حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُدْ شَيْخُنَا قَوْلَ الْمَتْنِ (وَيَضَعُ عَلَيْهِ حَصًى) وَهَلْ يَجُوزُ بِنَاءُ ذَلِكَ أَيْ تَثْبِيتُهُ بِنَحْوِ جِصٍّ فِي مُسَبَّلَةٍ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الْجَوَازُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرَبِّعَةِ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا وَاضِحٌ فَإِنَّ تَثْبِيتَ مَا ذُكِرَ لَا تَحْجِيرَ فِيهِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْقَبْرِ بِوَجْهٍ بِخِلَافِهَا بَصْرِيٌّ قَوْلُ الْمَتْنِ: (حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ) أَيْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ رَوَاهُ فِي الْأَوَّلِ الشَّافِعِيُّ) فَقَالَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ» وَرُوِيَ «أَنَّهُ رَأَى عَلَى قَبْرِهِ فُرْجَةً فَأَمَرَ بِهَا فَسُدَّتْ وَقَالَ إنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا عَمِلَ شَيْئًا أَحَبَّ اللَّهُ مِنْهُ أَنْ يُتْقِنَهُ» مُغْنِي.
(قَوْلُهُ وَفِيهِ إلَخْ) أَيْ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(قَوْلُهُ قِيلَ إلَخْ) أَقَرَّهُ النِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي وَالْأَسْنَى عِبَارَتُهُمْ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ اسْتِحْبَابُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا وَإِنْ لَمْ يُرَدَّ لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ تَمْيِيزًا يُعْرَفُ بِهِ الْقَبْرُ ع ش.
(قَوْلُهُ كَالزَّوْجَةِ إلَخْ) بَيَانٌ لِنَحْوِ الْأَقَارِبِ.
(قَوْلُهُ وَالْمَمَالِيكِ إلَخْ) أَيْ وَالْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ نِهَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَيُرَتَّبُونَ إلَخْ) أَيْ يُقَدَّمُ نَدْبًا الْأَبُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ الْأَسَنُّ فَالْأَسَنُّ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا دُفِنُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.
(وَ) تُنْدَبُ (زِيَارَةُ الْقُبُورِ) الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ (لِلرِّجَالِ) إجْمَاعًا وَكَانَتْ مَحْظُورَةً لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِجَاهِلِيَّةٍ فَرُبَّمَا حَمَلَتْهُمْ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي ثُمَّ لَمَّا اسْتَقَرَّتْ الْأُمُورُ نُسِخَتْ وَأُمِرُوا بِهَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ» ثُمَّ مَنْ كَانَ تُسَنُّ لَهُ زِيَارَتُهُ حَيًّا لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ وَاضِحٌ وَغَيْرُهُ يُقْصَدُ بِزِيَارَتِهِ تَذَكُّرُ الْمَوْتِ وَالتَّرَحُّمِ عَلَيْهِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ تَكْرِيرُ الذَّهَابِ بَعْدَ الدَّفْنِ لِلْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ مَمْنُوعٌ إذْ يُسَنُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ عَلَى الْقَبْرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ فَالْبِدْعَةُ إنَّمَا هِيَ فِي تِلْكَ الِاجْتِمَاعَاتِ الْحَادِثَةِ دُونَ نَفْسِ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ عَلَى أَنَّ مِنْ تِلْكَ الِاجْتِمَاعَاتِ مَا هُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ لَهَا أَمَّا قُبُورُ الْكُفَّارِ فَلَا تُسَنُّ زِيَارَتُهَا بَلْ قِيلَ تَحْرُمُ وَيَتَعَيَّنُ تَرْجِيحُهُ فِي غَيْرِ نَحْوِ قَرِيبٍ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي اتِّبَاعِ جِنَازَتِهِ (وَتُكْرَهُ) لِلْخَنَاثَى و(لِلنِّسَاءِ) مُطْلَقًا خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ بِالْبُكَاءِ نَعَمْ تُسَنُّ لَهُنَّ زِيَارَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْضُهُمْ وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ صَحَّ فَأَقَارِبُهَا أَوْلَى بِالصِّلَةِ مِنْ الصَّالِحِينَ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَرْتَضِيهِ لَكِنْ ارْتَضَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بَلْ جَزَمُوا بِهِ وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ أَنْ تَذْهَبَ لِمَشْهَدٍ كَذَهَابِهَا لِلْمَسْجِدِ فَيُشْتَرَطُ هُنَا مَا مَرَّ ثُمَّ مِنْ كَوْنِهَا عَجُوزًا لَيْسَتْ مُتَزَيِّنَةً بِطِيبٍ وَلَا حُلِيٍّ وَلَا ثَوْبِ زِينَةٍ كَمَا فِي الْجَمَاعَةِ بَلْ أَوْلَى وَأَنْ تَذْهَبَ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ مِمَّا يَسْتُرُ شَخْصَهَا عَنْ الْأَجَانِبِ فَيُسَنُّ لَهَا وَلَوْ شَابَّةً إذْ لَا خَشْيَةَ فِتْنَةٍ هُنَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَ نَحْوِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَقَارِبِ بِأَنَّ الْقَصْدَ إظْهَارُ تَعْظِيمِ نَحْوِ الْعُلَمَاءِ بِإِحْيَاءِ مَشَاهِدِهِمْ وَأَيْضًا فَزُوَّارُهُمْ يَعُودُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ مَدَدٌ أُخْرَوِيٌّ لَا يُنْكِرُهُ إلَّا الْمَحْرُومُونَ بِخِلَافِ الْأَقَارِبِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إنْ صَحَّ إلَى آخِرِهِ (وَقِيلَ تَحْرُمُ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» وَمَحَلُّ ضَعْفِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى خُرُوجِهِنَّ فِتْنَةٌ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ (وَقِيلَ تُبَاحُ) إذَا لَمْ تَخْشَ مَحْذُورًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَى امْرَأَةً بِمَقْبَرَةٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا» (وَيُسَلِّمُ الزَّائِرُ) نَدْبًا عَلَى أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ عُمُومًا ثُمَّ خُصُوصًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» وَفِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» وَالِاسْتِثْنَاءُ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ لِلدَّفْنِ بِتِلْكَ الْبُقْعَةِ أَوْ لِلْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقِيلَ يَقُولُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ لِخَبَرِ أَنَّهُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى قَالَهُ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِهِ وَيَرُدُّهُ هَذَا الْخَبَرُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَحِيَّةُ مَوْتَى الْقُلُوبِ لِكَرَاهَتِهِ أَوْ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَعْتَادُونَهُ فِي السَّلَامِ عَلَى الْمَوْتَى (وَيَقْرَأُ) مَا تَيَسَّرَ (وَيَدْعُو) لَهُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ تَوَجُّهِهِ لِلْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ عَقِبَهَا أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ وَيَكُونُ الْمَيِّتُ كَحَاضِرٍ تُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ وَالْبَرَكَةُ بَلْ تَصِلُ لَهُ الْقِرَاءَةُ هُنَا وَفِيمَا إذَا دَعَا لَهُ عَقِبَهَا وَلَوْ بَعِيدًا كَمَا يَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَلَا يُسَنُّ السَّفَرُ لِقَصْدِ زِيَارَةِ قَبْرِ غَيْرِ نَبِيٍّ أَوْ عَالِمٍ أَوْ صَالِحٍ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَهُ كَالْجُوَيْنِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنُوا أَنَّ الزَّائِرَ يَزُورُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَفْعَلُ مَا يَلِيقُ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ حَيًّا وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِلْقِيَامِ مُطْلَقًا أَوْ لِلْأَكَابِرِ بِالْقِيَامِ فِي زِيَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ فِي تَقْسِيمِ الزِّيَارَةِ وَأَمَّا لِأَدَاءِ حَقِّ نَحْوِ صَدِيقٍ وَوَالِدٍ لِخَبَرِ أَبِي نُعَيْمٍ «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدِيهِ أَوْ أَحَدِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ كَحَجَّةٍ» وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «غُفِرَ لَهُ وَكُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ».
(قَوْلُهُ وَيَتَعَيَّنُ تَرْجِيحُهُ فِي غَيْرِ نَحْوِ إلَخْ) كَأَنْ الشَّارِحَ لَمْ يَسْتَحْضِرْ مَا قَدَّمَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا بَأْسَ بِاتِّبَاعِ الْمُسْلِمِ جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ مِنْ قَوْلِهِ مَا نَصُّهُ وَيَجُوزُ لَهُ زِيَارَةُ قَبْرِهِ أَيْضًا وَكَالْقَرِيبِ زَوْجٌ وَمَالِكٌ قَالَ شَارِحٌ وَجَارٌ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَوْجَهَ تَقْيِيدُهُ بِرَجَاءِ إسْلَامٍ أَوْ خَشْيَةِ فِتْنَةٍ وَأَفْهَمَ الْمَتْنُ حُرْمَةَ اتِّبَاعِ الْمُسْلِمِ جِنَازَةَ كَافِرٍ غَيْرِ نَحْوِ قَرِيبٍ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّاشِيُّ. اهـ.
قَالَ فِي الْعُبَابِ وَلِلْمُسْلِمِ زِيَارَةُ قَبْرِ كَافِرٍ قَالَ فِي شَرْحِهِ أَيْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ. وَظَاهِرُ قَطْعِ الْأَكْثَرِينَ هَذَا الَّذِي صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ أَيْضًا فِي اتِّبَاعِ جِنَازَةٍ لِقَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الشَّاشِيِّ وَظَاهِرُ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ لَا إكْرَامَ وَلَا تَعْظِيمَ فِي الزِّيَارَةِ وَالِاتِّبَاعِ وَإِلَّا حَرُمَا وَقَضِيَّةُ الْإِبَاحَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ م ر كَرَاهَةُ زِيَارَةِ قَبْرِ الْقَرِيبِ. اهـ.